تابع
العنف المدرسي:أسبابه و طرق علاجه
تسربت خلال السنين الأخيرة إلى مؤسساتنا التعليمية ممارسات لاأخلاقية ، تمثلت في تفشي مظاهر العنف و الشغب و سوء المعاملة و عدم الإنضباط ، داخل المؤسسة و خارجها ، كالإهانة و الإعتداء و تخريب الممتلكات ، بيع و تعاطي المخدرات داخل المؤسسة ، كتابة ألفاظ ساقطة و مخلة بالحياء على الدسكات و الجدران . فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الظواهر السلبية و الخطيرة التي أضحت تهدد بناء شخصيتنا المصرية، و تدمر مسارها الإنساني الخلاق ؟ و ما هي طرق علاجها ؟
أسباب الظاهرة :
ترجع معظم الدراسات و البحوث التي تناولت هذه الظاهرة المعقدة إلى تداخل عدة عناصر و أسباب ، منها ما هو( اجتماعي) و( اقتصادي) ، و منها( ما هو تربوي) .
فوجود مشاكل مستمرة في العائلة ، من تفكك و صراع دائم ، إضافة إلى المستوى الإقتصادي المتدني الذي تعيشه الأسرة ، يدفع بالطالب إلى الشعور بالحرمان و الإحباط ، مما يؤثر سلبا على تنشئته الإجتماعية، و على نموه النفسي و الإنفعالي ، و على قدراته العقلية ، و بالتالي ترسخ لديه سلوكات مشينة كالعنف و العصيان و التمرد المؤدي إلى التطرف أحيانا .
كما أن انعدام التواصل بين الآباء و أبنائهم من جهة ، وبينهم و بين المعلمين بالمؤسسة من جهة أخرى ، إضافة إلى المعاملة القاسية المبنية أساسا على القوة و الشدة ، وعدم السماح للطالب بالتعبير عن مشاعره ، و التركيز على جوانب الضعف في شخصيته ، و الإستهزاء من أقواله و أفعاله . كل ذلك ينتج عنه نفوره من مدرسته و كرهه لها ، الشيء الذي يدفعه للتمرد و الإنتقام من المجتمع و السلطة ، فيحول جدران المؤسسة إلى صحف إسمنتية ، يفرغ فيها مكبوتاته في شكل عبارات السب و الشتم .
أما الذي يغذي هذه الظاهرة و يزيد من انتشارها ، فهو وجود أغلب المؤسسات التعليمية في أماكن هامشية أكثر فقرا ، مما يؤثر بشكل مباشر على المتعلمين في علاقتهم بذويهم و محيطهم الخارجي ، فتظهر لديهم سلوكات غير طبيعية تنمي نزعتهم العدوانية ، على شكل غيابات و انحراف و إدمان و فساد…
الحلول و طرق العلاج :
باعتبار المدرسة منظومةللرعاية و التربية و التنشئة الاجتماعية و تكوين المواطن الصالح ، فهي مدعوة ومعها كل المتدخلين و الفاعلين التربويين ، و جميع الشركاء المعنيين بالعملية التعليمية ،للقيام بحملات تحسيسية واسعة ، قصد التعريف بالظاهرة و البحث في أسبابها و آثارها السلبية و معالجتها بالوسائل الناجعة ،
وذلك بتشجيع جميع المبادرات التي ترسخ السلوكات الإيجابية والقيم النبيلة داخل المؤسسة و خارجها ، من ذلك مثلا :
ـــ توحيد الزي المدرسي ، كون الزىالمدرسي الموحد يضفي على صاحبه طابع الحشمة ويصبغ عليه صفة الإحترام ، أما ابالزى الموحي و المثير فهو يحفز على الإنحراف اللفظي و يشجع على العنف الجسدي.
ـــ الإهتمام بفضاء المؤسسة ، و ذلك بتزيينها بنص النشيد الوطني ، وتدوين الأمثال و الحكم ، خاصة تلك التي تدعو إلى الأخلاق الفاضلة و قيم التسامح و التضامن ، كما ينبغي على جميع المؤسسات نشر النظام الداخلي بصفة مستمرة في سبورة الإعلانات ، و شرح مقتضياته ، و تحسيس الجميع بضرورة احترامه ، و العمل به ، حفاظا على حرمة المؤسسة ، لأن به قوانين تمنع منعا كليا تعاطي المخدرات و التدخين
ـــ يجب مراعاة الفروق الفردية داخل الصف ، و تقدير الطا لب كإنسان له احترامه و كيانه ، و السماح له بالتعبير عن مشاعره ، و تفريغ عدوانيته بطرق سلمية ، وذلك بالمشاركة في الأنشطة و نوادي المؤسسة ، و الإنخراط في الجمعيات ذات الطابع الإنساني و الإجتماعي، ليتعلم فيها الطالب كيف يسمع صوته ، لأن ذلك من شأنه أن يتيح له التعاون و الإحتكاك مع الآخر ، كما يعزز الإنتماء للوطن ، و يعزز القناعة بأن الإنعزال و التعصب خطر على المجتمع.
ـــ إنشاء مراكز الإستماع بالمؤسسات التعليمية ، حتى نقترب أكثر من المتعلمين ، عن طريق الحوار معهم و الإنفتاح عليهم ، وذلك بتخصيص جلسات تربوية للإستماع لقضاياهم و اهتماماتهم ، و الإنصات إلى مشاكلهم و انشغالاتهم ، و معرفة حاجياتهم ، و مشاطرتهم الرأي إذا استوجب الأمر ذلك ، حتى لا يشعروا بالإهمال و التهميش ، ومد يد المساعدة لهم باعتبارهم ضحايا لظروف اجتماعية و اقتصادية ليس لهم دخل فيها ،وإعطائهم الفرصة للإبداع و الإختلاف ، حتى نمكنهم من الإبتعاد عن أن يصبحوا فريسة سهلة للأفكار المتطرفة و الداعية للعنف و التخريب.
ختاما نقول : إنه على الجميع ، اعلام و مدرسة و أسرة ، أن تتظافر جهودهم لجعل الحياة المدرسية مجالا ممتعا للتحصيل الجاد ، و منظومةخصبه مفعمه بالحياة ، تساعد على اكتشاف و صقل و تحفيز المواهب، حتى نحارب العنف المدرسي بكل أشكاله ، و آثاره السلبية ، قبل أن يتحول إلى انحراف و إجرام في الكبــــــر.