موقف المؤمن من الفتن
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على محمد عبده ورسوله وعلى أزواجه وذريته وجميع أصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد.
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به في هذا اللقاء لإخوة في الله كرام وأبناء أعزاء وأسأله جل وعلا أن يجعله لقاء مباركا وأن ينفعنا جميعا بما علمنا وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان وأن يولي عليهم خيارهم ويعيذهم من شرارهم إنه جواد كريم. ثم أشكر القائمين على جامعة الإمام محمد بن سعود رحمه الله على دعوتهم لهذا اللقاء وأسأله سبحانه أن يضاعف مثوبتهم وأن يوفقنا جميعا لكل ما فيه صلاح ديننا ودنيانا ولكل ما فيه صلاح الأمة جميعا إنه جل وعلا جواد كريم.
ثم أيها الإخوة في الله أيها الأبناء: عنوان الكلمة: موقف المؤمن من الفتن - الفتن نعوذ بالله من شرها - بين النبي صلى الله عليه وسلم خطرها وشرح ما يجب حولها عليه من ربه الصلاة والتسليم.
ما الفتنة ؟
الفتنة كلمة مشتركة تقع على معان كثيرة تقع على الشرك وهو أعظم الفتن كما قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ[1] أي حتى لا يكون شرك وقال جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ[2] وتقع الفتنة أيضا على التعذيب والتحريق كما قال جل وعلا: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ[3] وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ[4] والمراد هنا العذاب والتحريق فتنوهم يعني عذبوهم. وتطلق الفتنة أيضا على الاختبار والامتحان كما قال جل وعلا: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[5] يعني اختبارا وامتحانا وقال جل وعلا: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ[6] يعني اختبارا وامتحانا حتى يتبين من يستعين بالأموال والأولاد في طاعة الله ومن يقوم بحق الله ويتجنب محارم الله ويقف عند حدود الله ممن ينحرف عن ذلك ويتبع هواه. وتقع أيضا على المصائب والعقوبات كما قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً[7] يعني: بل تعم.
جاء عن الزبير بن العوام رضي الله عنه وجماعة من السلف في هذه الفتنة أنهم قالوا: (ما كنا نظن أنها فينا حتى وقعت) وكانت بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه فإن قوما جهلة وظلمة وفيهم من هو متأول خفي عليه الحق واشتبهت عليه الأمور فتابعهم حتى قتلوا عثمان رضي الله عنه بالشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة ثم عمت هذه الفتنة وعظمت وأصابت قوما ليس لهم بها صلة وليسوا في زمرة الظالمين وجرى بسببها ما جرى بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه وما حصل يوم الجمل ويوم صفين كلها بأسباب الفتنة التي وقعت بسبب ما فعله جماعة من الظلمة بعثمان رضي الله عنه فقام قوم وعلى رأسهم معاوية بالمطالبة بدم القتيل عثمان رضي الله عنه وطلبوا من علي رضي الله عنه وقد بايعه المسلمون خليفة رابعا وخليفة راشدا تسليمهم القتلة وعلي رضي الله عنه أخبرهم أن المقام لا يتمكن معه من تسليم القتلة ووعدهم خيرا وأن النظر في هذا الأمر سيتم بعد ذلك وأنه لا يتمكن من قتلهم الآن وجرى من الفتنة والحرب يوم الجمل ويوم صفين ما هو معلوم حتى قال جمع من السلف رضي الله عنهم منهم الزبير رضي الله عنه: إن الآية المذكورة نزلت في ذلك. وهذه أول فتنة وقعت بين المسلمين بعد موت نبيهم عليه الصلاة والسلام فأصابت جما غفيرا من الصحابة وغير الصحابة وقتل فيها عمار بن ياسر وطلحة بن عبيد الله وهو من العشرة المبشرين بالجنة والزبير وهو من العشرة أيضا وقتل فيها جمع غفير من الصحابة وغيرهم في الجمل وفي صفين بأسباب هذه الفتنة.
وتقع الفتنة أيضا بأسباب الشبهات والشهوات فكم من فتن وقعت لكثير من الناس بشبهات لا أساس لها كما جرى للجهمية والمعتزلة والشيعة والمرجئة وغيرهم من طوائف أهل البدع فتنوا بشبهات أضلتهم عن السبيل وخرجوا عن طريق أهل السنة والجماعة بأسبابها وصارت فتنة لهم ولغيرهم إلا من رحم الله.
وطريق النجاة من صنوف الفتن هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام كما روي ذلك عن علي مرفوعا تكون فتن. قيل: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم..)) الحديث. والمقصود أن الفتن فتن الشهوات والشبهات والقتال وفتن البدع كل أنواع الفتن - لا تخلص منها ولا النجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى.
وجميع ما يقول الناس وما يتشبث به الناس وما يتعلق به الناس في سلمهم وحربهم وفي جميع أمورهم - يجب أن يعرض على كتاب الله وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام قال جل وعلا في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[8] يعني أحسن عاقبة هذا هو الطريق وهذا هو السبيل فالرد إلى كتاب الله هو الرد إلى القرآن الكريم والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام وإلى سنته الصحيحة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وهكذا يقول جل وعلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[9] وتحكيم الرسول هو تحكيم الكتاب والسنة قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[10] فما عدا حكم الله فهو من حكم الجاهلية قال جل وعلا: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[11] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[12] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[13] فالمخلص من الفتن والمنجي منها بتوفيق الله هو بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بالرجوع إلى أهل السنة وعلماء السنة الذين حصل لهم الفقه في كتاب الله عز وجل والفقه بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ودرسوهما غاية الدراسة وعرفوا أحكامهما وساروا عليهما فجميع الأمة من إنس ومن جن وعجم وعرب ومن رجال ونساء يجب عليهم أن يحكموا بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأن يسيروا على نهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان في السلم والحرب في العبادات والمعاملات وفي جميع ما افترق فيه الناس في أسماء الله وصفاته في أمر البعث والنشور في الجنة والنار وفي كل شيء ومن ذلك الحروب التي يثيرها بعض الناس يجب أن يحكم فيها شرع الله.
وهكذا الإعداد للحرب ومن يستعان به في الحرب ومن لا يستعان به كله يجب أن يعرض على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك ما وقع في هذا العام في الحادي عشر من المحرم من فتنة حاكم العراق - عامله الله بما يستحق - في عدوانه على دولة الكويت واجتياحه لها وما حصل من تهديده لهذه البلاد ودول الخليج هذه من الفتن أيضا التي يجب أن يحكم فيهـا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
ولا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا الرجل الفاجر قد أتى منكرا وإثما عظيما وعدوانا سافرا لا مبرر له. ولو كان من دعاة الإسلام ومحكمي الشريعة لم يجز له أن يغزو طائفة من الناس لا الكويت ولا غيرها إلا بعد الدعوة وبعد النظر في الشبه التي يدعيها عليهم ومدى تحكيمه لشرع الله في ذلك. أما أن يغزو بلادا آمنة ويقتل وينهب ويسبي ولا يبالي فذلك منكر عظيم وعدوان أثيم لا يقدم عليه من يؤمن بالله واليوم الآخر ثم بعد ذلك يلبس لباس الإسلام وينافق ويدعي أنه يطلب الجهاد وأنه يحمي الحرمين وهذا من النفاق والكفر البواح والتلبيس. ومعلوم عن حزب البعث والشيوعية وجميع النحل الملحدة المنابذة للإسلام كالعلمانية وغيرها كلها ضد الإسلام وأهلها أكفر من اليهود والنصارى. لأن اليهود والنصارى تباح ذبائحهم ويباح طعامهم ونساؤهم المحصنات والملاحدة لا يحل طعامهم ولا نساؤهم وهكذا عباد الأوثان من ثقافةهم لا تباح نساؤهم ولا يباح طعامهم. فكل ملحد لا يؤمن بالإسلام هو شر من اليهود والنصارى. فالبعثيون والعلمانيون الذين ينبذون الإسلام وراء الظهر ويريدون غير الإسلام وهكذا من يسمون بالشيوعيين ويسمون بالاشتراكيين كل النحل الملحدة التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر يكون كفرهم وشرهم أكفر من اليهود والنصارى وهكذا عباد الأوثان وعباد القبور وعباد الأشجار والأحجار أكفر من اليهود والنصارى ولهذا ميز الله أحكامهم وإن اجتمعوا في الكفر والضلال ومصيرهم النار جميعا لكنهم متفاوتون في الكفر والضلال وإن جمعهم الكفر والضلال فمصيرهم إلى النار إذا ماتوا على ذلك. لكنهم أقسام متفاوتون: فإذا أراد البعثي أن يدعي الإسلام فلينبذ البعثية أو الاشتراكية والشيوعية ويتبرأ منها ويتوب إلى الله من كل ما يخالف الإسلام حتى يعلم صدقه ثم إذا كان هذا العدو الفاجر الخبيث صدام حاكم العراق: إذا أراد أن يسلم ويتوب فلينبذ ما هو عليه من البعثية ويتبرأ منها ويعلن الإسلام ويرد البلاد إلى أهلها ويرد المظالم إلى أهلها ويتوب إلى الله من ذلك ويعلن ذلك ويسحب جيشه من الكويت ويعلن توبته إلى الله ويحكم الشريعة في بلاده حتى يعلم الناس صدقه. والمقصود أن جهاده من أهم الجهاد وهو جهاد لعدو مبين حتى ينتقم منه وترد الحقوق إلى أهلها وحتى تهدأ هذه الفتنة التي أثارها وبعثها وسبب قيامها فجهاده من الدول الإسلامية متعين وهذه الدولة الإسلامية المملكة العربية السعودية ومن ساعدها جهادهم له جهاد شرعي والمجاهد فيها يرجى له إذا صلحت نيته الشهادة إن قتل والأجر العظيم إن سلم إذا كان مسلما. أما ما يتعلق بالاستعانة بغير المسلمين فهذا حكمه معروف عند أهل العلم والأدلة فيه كثيرة والصواب ما تضمنه قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أنه يجوز الاستعانة بغير المسلمين للضرورة إذا دعت إلى ذلك لرد العدو الغاشم والقضاء عليه وحماية البلاد من شره إذا كانت القوة المسلمة لا تكفي لردعه جاز الاستعانة بمن يظن فيهم أنهم يعينون ويساعدون على كف شره وردع عدوانه سواء كان المستعان به يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو غير ذلك إذا رأت الدولة الإسلامية أن عنده نجدة ومساعدة لصد عدوان العدو المشترك. وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهذا في مكة استعان بمطعم بن عدي لما رجع من الطائف وخاف من أهل مكة بعد موت عمه أبي طالب فاستجار بغيره فلم يستجيبوا فاستجار بالمطعم وهو من كبارهم في الكفر وحماه لما دعت الضرورة إلى ذلك وكان يعرض نفسه عليه الصلاة والسلام على المشركين في منازلهم في منى يطلب منهم أن يجيروه حتى يبلغ رسالة ربه عليه الصلاة والسلام على تنوع كفرهم واستعان بعبد الله بن أريقط في سفره وهجرته إلى المدينة - وهو كافر - لما عرف أنه صالح لهذا الشيء وأن لا خطر منه في الدلالة وقال يوم بدر ((لا أستعين بمشرك)) ولم يقل لا تستعينوا بل قال: ((لا أستعين)) لأنه ذلك الوقت غير محتاج لهم والحمد لله معه جماعة مسلمون وكان ذلك من أسباب هداية الذي رده حتى أسلم. وفي يوم الفتح استعان بدروع من صفوان بن أمية وكان على دين قومه فقال: أغصبا يا محمد فقال: ((لا ولكن عارية مضمونة )) واستعان باليهود في خيبر لما شغل المسلمون عن الحرث بالجهاد وتعاقد معهم على النصف في خيبر حتى يقوموا على نخيلها وزروعها بالنصف للمسلمين والنصف لهم وهم يهود لما رأى المصلحة في ذلك. فاستعان بهم لذلك وأقرهم في خيبر حتى تفرغ المسلمون لأموالهم في خيبر في عهد عمر فأجلاهم عمر رضي الله عنه. ثم القاعدة المعروفة يقول الله جل وعلا: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ[14] والمسلمون إذا اضطروا لعدو شره دون العدو الآخر وأمكن الاستعانة به على عدو آخر أشر منه فلا بأس. ومعلوم أن الملاحدة من البعثيين وأشباههم أشر من اليهود والنصارى، والملاحدة كلهم أشر من أهل الكتاب وشرهم معروف فالاستعانة العارضة بطوائف من المشركين لصد عدوان العدو الأشر والأخبث لدفع عدوانه والقضاء عليه وحماية المسلمين من شره أمر جائز شرعا حسب الأدلة والقواعد الشرعية أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن والقعود عنها فمعروف عند أهل العلم وتفصيل ذلك فيما يلي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي من يستشرف لها تستشرفه فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل )) أخرجه البخاري في صحيحه فهذه الفتن هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحق فيها بل هي ملتبسة فهذه يجتنبها المؤمن ويبتعد عنها بأي ملجأ ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) أخرجه البخاري في الصحيح ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الناس أفضل ؟ قال ((مؤمن مجاهد في سبيل الله )) قيل ثم من ؟ قال ((مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره)) والمقصود أن هذا عند خفاء الأمور وعلى المؤمن أن يجتنبها أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم والمبطل من المحق فالواجب أن يكون مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل كما قال صلى الله عليه وسلم ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما)) قيل يا رسول الله كيف أنصره ظالما ؟ قال ((تحجزه عن الظلم فذلك نصره)) أي منعه من الظلم هو النصر. ولما وقعت الفتنة في عهد الصحابة رضي الله عنهم اشتبهت على بعض الناس وتأخر عن المشاركة فيها بعض الصحابة من أجل أحاديث الفتن كسعد ابن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وجماعة رضي الله عنهم ولكن فقهاء الصحابة الذين كان لهم من العلم ما هو أكمل قاتلوا مع علي. لأنه أولى الطائفتين بالحق وناصروه ضد الخوارج وضد البغاة الذين هم من أهل الشام لما عرفوا الحق وأن عليا مظلوم وأن الواجب أن ينصر وأنه هو الإمام الذي يجب أن يتبع وأن معاوية ومن معه بغوا عليه بشبهة المطالبة بقتل عثمان. والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ما قال فاعتزلوا قال: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[15] فإذا عرف الظالم وجب أن يساعد المظلوم لقوله سبحانه: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ[16] والباغون في عهد الصحابة معاوية وأصحابه والمبغي عليه علي وأصحابه فبهذا نصرهم أعيان الصحابة نصروا عليا وصاروا معه كما هو معلوم. وقال في هذا المعنى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في قصة الخوارج: ((تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فقتلهم علي وأصحابه فاتضح بذلك أنهم أولى الطائفتين بالحق)). وقال صلى الله عليه وسلم في أمر عمار: ((تقتل عمارا الفئة الباغية)) فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين. فمعاوية وأصحابه بغاة لكن مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان كما ظن طلحة والزبير يوم الجمل ومعهم عائشة رضي الله عنها لكن لم يصيبوا فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب. وعلي له أجر الاجتهاد وأجر الصواب جميعا وهذه هي القاعدة الشرعية في حق المجتهدين من أهل العلم أن من اجتهد في طلب الحق ونظر في أدلته من قاض أو مصلح أو محارب فله أجران إن أصاب الحق وأجر واحد إن أخطأ الحق أجر الاجتهاد كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر)) متفق على صحته فكل فتنة تقع على يد أي إنسان من المسلمين أو من المبتدعة أو من الكفار ينظر فيها فيكون المؤمن مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل وبهذا ينصر الحق وتستقيم أمور المسلمين وبذلك يرتدع الظالم عن ظلمه ويعلم طالب الحق أن الواجب التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان عملا بقول الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[17] فقتال الباغي وقتال الكافر الذي قام ضد المسلمين وقتال من يتعدى على المسلمين لظلمه وكفره حق وبر ونصر للمظلوم وردع للظالم فقتال المسلمين لصدام وأشباهه من البر ومن الهدى ويجب أن يبذلوا كل ما يستطيعونه في قتاله وأن يستعينوا بأي جهة يرون أنها تنفع وتعين في ردع الظالم وكبح جماحه والقضاء عليه وتخليص المسلمين من شره ولا يجوز للمسلمين أيضا أن يتخلوا عن المظلومين ويدعوهم للظالم يلعب بهم بأي وجه من الوجوه بل يجب أن يردع الظالم وأن ينصر المظلوم في القليل والكثير. فالواجب على جميع المسلمين أن يتفقهوا في الدين وأن يكونوا على بصيرة فيما يأتون وفيما يذرون وأن يحكموا كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم في كل شيء، كما قال الله سبحانه وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله[18] الآية، وقوله عز وجل فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[19]الآية، وعليهم أن يدرسوا الكتاب والسنة دراسة الطالب للحق المريد وجه الله والدار الآخرة الذي يريد أن ينفذ حكم الله في عباد الله وأن يحذروا الهوى فإن الهوى يهوي بأهله إلى النار قال تعالى: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[20] وقال جل وعلا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[21] فماذا يظن العاقل ذو البصيرة لو أن صداما ترك له المجال فعاث في الجزيرة فسادا وساعده من مالأهم على المساعدة من الجنوب والشمال على باطله ماذا يترتب على ذلك من الكوارث العظيمة والفساد الكبير والشر الكثير لو تمكن من تنفيذ خططه الخبيثة ولكن من نصر الله جل وعلا ورحمته وفضله وإحسانه أن تنبه ولاة الأمور في المملكة العربية السعودية لخبثه وشره وما انطوى عليه من الباطل وما أسسه من الشر والفساد فاستعانوا بالقوات المتعددة الثقافةيات على حربه والدفاع عن الدين والبلاد حتى أبطل الله كيده وصده عن نيل ما أراد. ونسأل الله أن يحسن العاقبة للمسلمين وأن يكفينا شره وشر غيره وأن ينصر جيوشنا الإسلامية ومن ساعدهم على حاكم العراق حتى يرجع عن ظلمه ويسحب جيشه من الكويت ويوقف عند حده كما نسأله سبحانه أن يوفق جيوشنا جميعا للفقه في الدين وأن يكفينا شر ذنوبنا وشر تقصيرنا وأن يكفينا شر جميع الكفرة من جميع الأجناس وأن يردهم إلى بلادهم ونحن سالمون من شرهم وأن يهدي منهم من سبقت له السعادة إلى الإسلام وأن ينقذهم مما هم فيه من الكفر نسأل الله أن يهديهم جميعا وأن يردهم إلى الحق والهدى وأن يكفينا شرهم جميعا من بعثيين ونصارى وغيرهم نسأل الله أن يهديهم للإسلام ويكفينا شرهم ويبعد من بقي على الكفر منهم إلى بلاده بعد سلامة المسلمين وبعد القضاء على عدو الله حاكم العراق وجيشه المساعد له وأن يختار للعراق رجلا صالحا يحكم فيهم شرع الله كما نسأله أن يولي على جميع المسلمين من يحكم فيهم شرع الله ويقودهم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأن يكفي المسلمين شر ولاتهم الذين يخالفون شرع الله وأن يصلح ولاة المسلمين وقادتهم ويهديهم صراطه المستقيم وأن يولي على المسلمين جميعا في كل مكان خيارهم وأن يصلح أحوالهم في كل مكان وأن يكفينا شر ذنوبنا جميعا وأن يمن علينا بالتوبة النصوح وأن يجعل ما نزل بالكويت وما حصل من المحنة العظيمة والفتنة الكبيرة هذه الأيام موعظة للجميع وسببا لهداية الجميع ويقظتهم وأن يوفق حكومتنا لكل خير وأن يعينها على طاعة الله ورسوله وعلى إعداد الجيش الكافي الذي يغنيها عن جميع أعداء الله ونسأل الله أن يهدي جيراننا جميعا للتمسك بكتاب الله وأن يجمعهم على الحق والهدى وأن يعينهم على طاعة الله ورسوله وأن يعيذهم من مَنْ بينهم من الأعداء والمنافقين المحاربين لله ورسوله الذين يدعون إلى ضد كتاب الله وإلى ضد سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله أن يبطل كيد أعداء الله ويفرق شملهم ويوفق دعاة الحق لما فيه رضاه وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان وأن يجمع كلمتنا جميعا معشر المسلمين على الحق والهدى أينما كنا وأن يكفينا شر أعدائنا أينما كانوا إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.